روايات شيقهرواية سيدة الأوجاع السبعة

رواية سيدة الأوجاع السبعة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

الوجع الثاني

كعادته ما ان يتم الله عليه نيل صفقة ما كان يسع اليها جاهدا الا توجه الي مقام السيدة نفيسة ليصل بضع ركعات مخرجا ما يجود به شكرا لله.

خرج من المقام منشرح الصدر وبدأ في توزيع عطاياه لطالبي الصدقة والإحسان واندفع يستقل عربته ليرحل، كان الزحام شديدا فقرر التحايل عليه من خلال السير ببعض الحارات الضيقة حتى يتخلص منه لكن لسوء الحظ ما ان دخل لتلك الحارة وكاد ان يصل لنهايتها حتى توقفت العربة نتيجة شجار ما بين سكان تلك الحارة، ضغط على آلة التنبيه عدة مرات ولا مجيب، ترجل من العربة وقد قرر التدخل في ذاك الشجار الدائر لينفض ويستطيع التحرك بسهولة بعربته، دفع بنفسه داخل تلك الدائرة المحيطة بطرفي النزاع وما ان هم بالتحدث حتى وقعت عيناه عليها، انها هي مرة اخرى، ماذا يحدث يا ترى!؟.

كانت واهنة ضعيفة منذ ساعات بالمصنع والان يراها تقف كالطود تدافع عن شيء ما لا يعلم كنهه، لو لم يرها بذاك الوهن بالمصنع و كلام الطبيب الذي فحصها مؤكدا ذلك ما صدق انها نفسها تلك التي تقف بهذه الجسارة امام ذاك الرجل ولكان اعتقد انها تفتعل ذاك الإغماء لغرض ما بنفسها..

تنبه لهتافها في تلك اللحظة غير مدركة بعد لوجوده وخلفها يحتمى طفلان لا يستطيع تمييزهما من موضعه: – وعهد الله لأروح فيك اللومان يا مسعد لو ايدك النجسة دي اتمدت على عيل من عيالي..
هتف ذاك الرجل المترنح مزري الهيئة: – وانا قلتهالك يا صفية، عيالي هشوفهم غصب عنك..

هتفت صفية في حزم: – محدش حاش عنك عيالك يا مسعد، انت طلقتني وعيالك هتشوفهم بس بالأصول والأدب، وقدام عيني، ده انت جيت خدتهم من امي غصب عنها الشهر اللي فات ومردتش ترجعهم الا لما خدت قبضي كله وسبتنا من غير ولا مليم يوحد ربك ااكل بيه عيالك..

تنبه حماد لحديثها وعلم اللحظة سبب اغمائها بالمصنع، لقد جردها ذاك النذل معدوم المروءة من مالها حتى يترك لها صغارها ويقوم بخطفهما كلما أراد ان يبتزها ليحصل على ما يريد ليرجعهما لأحضانها من جديد..
اندفع مسعد باتجاهها يحاول جذب اولادها منها هاتفا في غل: – هاخدهم غصب عنك، وابقى شوفيهم بعد كده..

حاولت دفعه عنها بيد وباليد الاخرى كانت تحاجي على اطفالها كدجاجة تحاجي على صغارها من نسر جارح يحاول إلتقاطهما بعيدا عنها لكن حمّاد اندفع يزود عنها ليقف بينها وبينه هاتفا في غضب دافعا بمسعد: – وجف مطرحك، انت مفيش حد مالي عينك ولا ايه!؟.

شهقت صفية في ذعر عندما وعت لحماد يتقدم بين الجمع المحتشد ليقف قبالة مسعد بينما هتف الأخير مزمجرا: – بقولك ايه، انت باين عليك راجل كبارة وانا مش عايز اقل من قيمتك، وسع كده وخد لك جنب ومتدخلش احسن لك..
وقف حمّاد في ثبات هاتفا بسخرية: – راچل كبارة!؟، ميغركش البنطلون والجميص، ده انا صعيدي وميكفنيش فيك ناسك كلهم..
هتف مسعد ساخرا وهو يدفع بكتف حماد: – يا عم روح شوف حالك مش عايز امد ايدي عليك..

هتفت صفية في رجاء عندما شعرت ان الأمر سيخرج عن السيطرة: – عشان خاطري يا حمّاد بيه، روح من هنا، ده مش مقامك ولا مكانك..
هتف مسعد متحفزا عندما تنبه انها تنادي حمّاد باسمه: – الله، الله، تعرفي البيه منين يا هانم!؟، وكمان جيباهم وراكِ لحد هنا!؟.
هنا لم يستطع حمّاد السكوت فهتف بغضب هادر وهو يجذب مسعد ممسكا بتلابيه: – لاااه، عند العرض ولازما تتأدب..

ودفع بجبينه ليرتطم بجبين مسعد الذي ترنح للحظة وسقط بين الجمع مصحوبا بشهقات صفية وتصفيق الجمع في سعادة ليهتف بهم حمّاد في غضب: – جاعدين تصجفوا..!؟، كنتوا فين وهى واجفة وهو بيتچرأ عليها!؟.
هتف احد الرجال مبررا: – يا بيه انت غريب ومسعد مش هيطولك لكن احنا اهل الحارة ومسعد مش هيسبنا ف حالنا، ده شراني وصاحب كيف ويعمل اي حاجة عشان ياخد مزاجه..

تجاهل حمّاد الرد على الرجل مستديرا إلى صفية التي ما تزل تقف وخلفها طفليها يبكيان بنحيب متقطع هاتفا مشيرا لذاك البيت المتهالك الذي تقف على أعتابه: – ده بيتك!؟.
اومأت في إيجاب دون ان تنبس بحرف واحد ليشير للداخل امرا: – ادخلي بعيالك واجفلي عليكِ بابك ولو فكر يتعرض لك تاني جوليلي..

أطاعته في سرعة وجذبت طفليها لداخل البيت واغلقت باب البناية المتهالكة خلفها ليتحرك بدوره باتجاه عربته ليتفرق الجمع وينهض مسعد من موضعه متوعدا حمّاد وهو يراه يرحل بعربته مبتعدا..

كان جالسا يعبث بهاتفه كعادته فتقدمت نحوه حاملة صينية الشاي وبعض قطع الكعك وضعتهم أمامه ليتنبه للحظة في عدم اكتراث معاودا التطلع لشاشة الهاتف من جديد..
ساد الصمت للحظات قبل أن تتنحنح هامسة بصوت مرتعش النبرات: – كمااال..
همهم بلامبالاة: – اممم..
هتفت بلهجة متسرعة قبل أن يخونها ثباتها: – انا عايزة فلوس ضروري..
تنبه نحوها هاتفا في امتعاض: – عيزاها فأيه ان شاء الله، أنتِ ناقصك حاجة!؟، انا..

قاطعته مؤكدة: – مش عشاني والله، عشان حسن اخويا، مزنوق جامد ومحتاج مني مبلغ يفك زنقته..
هتف وقد زادت نبرته ارتفاعا: – ما ياخد من ابوكِ ولا امكِ، ولا شايفك الهبلة اللي مش هتتأخر!؟.
تنهدت محاولة ضبط أعصابها هاتفة: – بابا وماما لو معاهم مكنوش اتاخروا، وهو اتعشم فيا انا ومش عايزة اخذله..
قهقه كمال في استخفاف هاتفا: – لا هتخذليه لأن مش معايا فلوس..

هتفت متعجبة: – معكش ازاي وانا كنت سمعاك من كام يوم بتقول أن الدنيا معاك زي الفل!؟.
هتف محتدا: – أنتِ بتتصنتي عليا!؟
هتفت في هدوء: – لأ، انا سمعتك وانت بتتكلم عادي وصوتك كان واصلني، انا مش محتاجة اعمل كده يا كمال، وبعدين انا مش ليا عندك حق الدهب اللي بعته عشان تظبط مشروعك ده، خلاص هات فلوس الدهب أو حتى جزء منها اسد بيها زنقة اخويا..

انتفض كمال صارخا: – أنتِ بتعيريني انك ساعدتيني بكام غويشة ولا خاتم، أنتِ اديتهمولي برضاكِ ومحدش غصبك، ده انتِ اللي كنتِ بتتحايلي عليا عشان أخدهم كمان..
هتفت في ضيق: – تمام، كلامك صح، بس ده مينفيش اني ليا عندك تمنهم، دهبي فك زنقتك، وعادي لما افك بيه زنقة اخويا كمان..
هتف كمال في غضب: – والباشا اخوكِ مراته متبعلوش ليه دهبها!؟، ولا هو طمعان فدهبك أنتِ!؟.

انتفضت نجوى هاتفة في سخط: – عيب كده يا كمال، حسن اخويا عمره ما يطمع فيا ده متعشم، ومراته باعت دهبها فعلا لما امها احتاجت عملية واخويا حسن ساعتها معترضش زي ما انت عامل دلوقت..
امسك كمال بمعصمها في غضب هاتفا وهو يهزها: – قصدك ايه!؟، ان اخوكِ احسن مني!؟، طيب يا ستي، عشان ترتاحي، لا ليه دهب ولا ليكِ انت كمان عندى دهب، واشربي من البحر..

ودفع بها لتسقط جالسة على المقعد خلفها تتطلع لموضع غيابه في صدمة، لا تصدق أن هذا الرجل هو كمال الذي عشقته وتزوجته وفضلته حتى على نفسها، سالت دموع الخذلان على خديها ولم تبرح موضعها وهي تراه يندفع بعدما اكمل ارتداء ملابسه صافقا الباب خلفه في قوة جعلتها تجفل منتفضة وما زال دمعها يغرق صفحة وجهها..

كانت بالأعلى بشقة ولدها عامر تساعد زوجته في صنع ذاك الطعام الذي يشتهيه ولا يفضله الا من صنع يدها، هبطت الدرج في اتجاه شقتها لتستريح قليلا قبل موعد الغذاء وما أن همت بفتح باب شقتها حتى سمعت حديثا محتدا بالداخل، توقفت يدها عن فتح الباب وتناهى لمسامعها صوت ولدها البكر يصرخ بأبيه في صدمة: – عايز تتجوز على أمي واسكت يا بابا!؟.
صرخ أبوه هاتفا في حنق: – اه هتجوز، لا هو عيب ولا حرام..

هتف عامر محتدا: – وماما!؟، قصرت ف أيه عشان تعمل معاها كده!؟.
هتف توفيق في لامبالاة: – مقصرتش أو حتى قصرت، ده حقي، وانا حر..
هنا لم تستطع إحسان البقاء دون رد فعل ففتحت الباب ليتطلع كلاهما إليها في صدمة..

دخلت وأغلقت الباب متصنعة ثبات لا تملكه ووقفت أمامهما صامتة تتطلع لهما بعيون زائغة النظرة في انتظار أن يكذب أحدهما ما قالاه لتوهما والذي أدرك كلاهما أنها سمعته بالتأكيد من رد فعلها الصامت وشحوب وجهها المضطرب القسمات..
لم يتجرأ عامر ولدها بنطق كلمة واحدة لكن توفيق نظر إليها في استهانة وهتف مؤكدا: – اللي سمعتيه صح، هتجوز، وهجيب العروسة تعيش معانا هنا..
انتفض عامر صارخا: – هنا فين!؟، هنا فعمارتنا!؟.

هتف توفيق هادرا في ثورة: – فعمارتي!؟، كلكم اصلا، وانت ومراتك أولهم، مجرد ضيوف فملكي، وانا بس اللي اقول مين يقعد ومين يمشي..
هتفت إحسان بصوت متحشرج النبرات ما أن استطاعت تمالك أعصابها واستيعاب الصدمة: – بقى دي اخرتها يا توفيق!؟.
تجاهل توفيق الرد عليها من الأساس كأنه لا يرها واندفع لخارج الشقة وما أن أصبح على اعتابها حتى هتف أمرا: – متنساش تكلم خالك يجي ياخد امك، العروسة مش قابلة تدخل على ضرة..

واستدار بكل كبر مواجها إحسان هاتفا في قوة: – أنتِ طالق يا إحسان..
شهقت في صدمة وغامت الدنيا امام ناظرها ولم تلفظ بحرف فقد عقدت الصدمة لسانها عن البوح بالكثير بينما صرخ عامر محتجا: – ليه يا بابا!؟، ليه تعمل كده!؟.
تطلع إليه توفيق مؤكدا: – انا حر، امك معدتش لزماني، تروح تعيش مع اخوها، هو أولى بيها دلوقت..
صرخ عامر مؤكدا: – محدش أولى بأمي مني، ماما هتعيش معايا فشقتي..

قهقه توفيق بجبروت: – انا لسه قايل أن كلكم عندي ضيوف، ولو فكرت تعمل كده انت ومراتك وعيالك هتحصلوها على بره، اتصل بخالك وبلاش تعمل فيها عنتر..
واندفع توفيق لخارج الشقة تاركا إحسان تترنح من طعنات الخذلان الواحدة تلو الأخرى وكادت أن تفقد وعيها إلا أن عامر تلقفها بين ذراعيه مصطحبا إياها لداخل شقتها التي ما عادت شقتها لتتمدد على فراش ما عاد فراشها..

رنين لا ينقطع على هاتفه يظهر اسمها مما جعله يمتعض في حنق..
لا وقت لديه لترهاتها اي كانت..
ضغط على زر إلغاء الصوت حتى لا يزعجه الرنين المتواصل..
كان طفلها يضغط على رقم ابيه في إصرار لا يعرف ما عليه فعله..

يبكي في ذعر وهو يتطلع لجسد أمه الممدد أرضا، يهتف باسمها مرارا ولا إجابة، فقد الأمل في إجابة أبيه مما اضطره ليندفع لجارتهم طارقا بابها في لهفة لتجيبه من فورها وعلى وجهها ابتسامة مرحبة ما أن طالعها محياه المحبب لكن قسمات وجهها تبدلت عندما أدركت توتر الصغير الذي لم يتعد التاسعة من عمره هاتفا في اضطراب وهو يشير لباب شقتهم المشرع: – إلحقي ماما يا طنط شيرين، واقعة ع الأرض ومش بترد عليا..

انتفضت شيرين مندفعة لداخل الشقة بحثا عن صديقتها لتشهق في صدمة ما أن طالعت جسدها أرضا وانحنت نحوها تحاول افاقتها هاتفة باسمها في لوعة: – أمل، يا أمل، فوقي عشان خاطري..
تركتها مهرولة لداخل غرفة النوم جاذبة زجاجة عطر عتيقة كانت على طاولة الزينة وعادت بها تضع بعض من رزازها على كفها وتقربه من أنف صديقتها التي انتفضت دفعة واحدة متطلعة حولها في تيه..

تنهدت شيرين في ارتياح وجذبت أمل لصدرها تربت على ظهرها في حنو هامسة: – اهدي، انتِ كويسة الحمد لله، أنتِ تمام..
بكت أمل في استكانة بين ذراعي جارتها للحظات واخيرا هتفت في ذعر: – سليم فين!؟، سليم كويس!؟
أكدت شيرين في عجالة: – اه كويس متقلقيش، هو اتخض عليكِ بس انا خليته يدخل يتفرج ع التليفزيون لحد ما تفوقي وتبقي تمام..
نادته أمل في لهفة: – سليم، يا سليم..

اندفع الصبي من الداخل ليلق بنفسه بأحضان أمه التي فتحت ذراعيها لتتلقفه رابتة على رأسه المغروز بصدرها هامسة: – متخفش يا سليم، أنا بخير..
بكي الطفل بكاءً متشنجا وهو يهمهم بأحضانها: – انا خفت يا ماما، افتكرتك موتي وسبتيني، اتصلت على بابا كتير لكن مردش عليا..
ضمت أمل طفلها لصدرها في قوة هامسة: – متخفش ابدا، عمري ما هسيبك يا سليم..

قبلت هامته وافلتته يعاود مشاهدة التلفاز متطلعة لشيرين في خيبة متسائلة في وجع: – شوفتي!؟، الولد اتصل عليه ومردش..
مدت شيرين يدها لأمل هاتفة وهي تجذبها لتنهض مترنحة قليلا متكئة على ذراعها: – عنه ما رد، ما انا اهو كنت تحت الأمر والطلب وسرعة التنفيذ..

ربتت أمل على كف شيرين في امتنان والتي أجلستها بأقرب مقعد هاتفة في مزاح كعادتها: – بزمتك يا شيخة تفوقي على خلقتي اللي تتوصف للعليل يطيب ولا على خلقة سي أمجد ده اللي تقطع الخميرة من الفرن ذات نفسه..
قهقهت أمل لتستطرد شيرين مندفعة لبيتها: – هروح اعمل لك كباية ليمون عشان تروقي دمك..
هتفت أمل: – لا مفيش داعي يا شيرين خليكِ معايا شوية، انا بقيت كويسة والله..

جلست شيرين جوارها متسائلة في قلق: – وبعدين يا أمل، هتفضلي تهملي فنفسك لحد أمتى!؟، لازم تروحي لدكتور يقولك ايه حكاية الإغماء المتكرر ده..
هزت أمل رأسها إيجابا مؤكدة: – أما يجي هقوله نروح للدكتور، لازم فعلا اشوف فيه أيه..

انتظرت حتى عاد أمجد من عمله وتناول غذائه ودخل ليأخذ قيلولته كعادته، جلست على طرف الفراش تحاول استجماع كلماتها لكنه باغتها أمرا: – بطلي ترني عليا فالشغل عمال على بطال، مردتش مرة يبقى مشغول ومش فاضي ارد عليكِ دلوقت..
همست مؤكدة: – ده سليم اللي رن عليك..
انتفض في غضب: – وكمان سايبة الموبيل للواد يقرفني بيه!؟، وطبعا كنت مشغولة بالقصص والحواديت اللي مبتخلصش مع ست العوانس..
جارتنا المصونة..

هتفت في حنق: – متقلش كده على شيرين، دي أدي فالسن، يعني يا دوب اتنين وتلاتين سنة، وربنا لسه مأردش بابن الحلال اللي يستاهلها بجد..
قهقه أمجد مؤكدا: – اه طبعا اومال ايه!؟، منتظرة الفارس ع الحصان الأبيض لما ياخدها ويطير..
تنهدت في ضيق فهي تعلم تماما أن ما أن يأتي ذكر شيرين أمامه حتى يبدأ في التهكم والسخرية التي لا تنتهي لذا أوقفت الحديث عند هذه النقطة هاتفة: – سليم كان بيرن عليك عشان أنا كنت تعبانة..

هتف متسائلا: – تعبانة ازاي يعني!؟
ايه، حامل!؟.
هتف بتساؤله في لهفة منتظرا اجابتها في لهفة أكبر لتهتف نافية: – لا مش حامل، بس انا دخت ووقعت من طولي، ودي مش اول مرة تحصل لي يا أمجد، انا عايزة اروح عند دكتور اطمن..
جذب الغطاء على جسده موليا لها ظهره كأنه ينهي النقاش أمرا: – مفيش حاجة تستاهل المرواح لدكاترة، كلي كويس ونامي كويس وانتِ هاتبقى تمام، بلاش دلع ستات ملوش لازمة..

ساد الصمت ولم تعقب بكلمة فقد هالها رد فعله الغير متوقع، هل هي بهذا القدر المعدوم من الأهمية طالما لا تحمل له طفلا فهي لا تستحق الأهتمام!؟، تذكر الأن أيام حملها بسليم بعد زواجهما بعدة أشهر، كان يكاد يحملها من الأرض حملا، كانت اشهر من نعيم خالص لم تذق بعدها هناء أو يرى قلبها فرحة..
تعجب من هدوئها بهذا الشكل فاستدار نصف استدارة متطلعا إليها في مجون: – ايه!؟، هاتيجي تنامي!؟.

كانت نبرته الموحية هي ما دفعها لتستفيق من صدمتها لتنهض مغادرة في سرعة وما أن همت بغلق باب الحجرة حتى استوقفها أمرا: – أعملي لنا حاجة حلوة من أيدك على بال ما اقوم من النوم!؟.
جذب عليه الغطاء من جديد يخطو لدنيا النعاس وهي تتطلع لموضعه لا تعرف ما عليها فعله، تجاهل ما طلب!؟، أم البكاء على تجاهله لما تعان من ألام..!؟
ان خبر اغمائها لم يحرك فيه ساكنا، وصفه بدلع ستات على حد قوله..

انسابت الدمعات السخان على خديها وهي تغلق الباب في عنف خلفها متجاهلة الذهاب للمطبخ لصنع الحلوى التي طلب لكنها في نهاية المطاف لم تجد ما تفعله لتوقف ذهنها عن الأحتراق تفكيرا إلا صنع كعكة ولدها المفضلة وهي تستمع لأحدى الأغاني التي كان يبثها المذياع قبالتها في صوت خفيض حتى لا يصل لمسامعه: –
محتاجة حد يخاف عليا..
مش ابقى خايفة معاه..
لوقلت أه ألاقيه حضني بجد من جواه
وهقولك أيه وانا كل ده.

يا حبيبي مش لقياه..
تنهدت وجمر يستعر بقلبها تمسح دمعات باغتتها محملة بوجيعة القهر سقطت بعضها رغما عنها مختلطة بكعكته المحلاة بملح الدمع ومرارة الجرح..

كانت تقف بقلب المطبخ الواحدة ليلا تصنع كوبا من الشاي تقلب السكر بقاع الكوب في صخب لا تعيه، فصخب أفكارها كان الأكثر ضجيجا والكلمات ترتسم امام ناظريها متسارعة مما دفعها لتحمل كوبها جالسة امام حاسوبها لتخطها قبل أن تنفلت من عقال مخيلتها: – الخذلان، هو ذاك النصل الحاد الذي سُدد لظهرك بقسوة وما استطعت نطق الأه لكنك استدرت في وجع لترى من تلك اليد التي طعنتك على حين غرة لتدرك أنها يد اقرب الناس إليك..

الخذلان، هو كشف سوءة الروح التي سلمك صاحبها زمام أمرها على العلن لندرك ساعتها أننا أخطأنا حين وثقنا في أشخاص ليسوا أهلا لهذه الأمانة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى